فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والقول الثالث: أن السجود هاهنا الخضوع والتذلل، ويكون معنى قوله تعالى: {خروا} أي بدروا.
{وقال يا أبَتِ هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًا} واختلف العلماء فيما بين رؤياه وتأويلها على خمسة أقاويل:
أحدها: أنه كان بيهما ثمانون سنة، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: كان بينهما أربعون سنة، قاله سليمان.
الثالث: ست وثلاثون سنة، قاله سعيد بن جبير.
الرابع: اثنتان وعشرون سنة.
والخامس: أنه كان بينهما ثماني عشرة سنة، قاله ابن إسحاق.
فإن قيل: فإن رؤيا الأنبياء لا تكون إلا صادقة فهلاّ وثق بها يعقوب وتسلى؟ ولم: {قال يا بُني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا} وما يضر الكيد مع سابق القضاء؟
قيل عن هذا جوابان:
أحدهما: أنه رآها وهو صبي فجاز أن تخالف رؤيا الأنبياء المرسلين. الثاني: أنه حزن لطول المدة في معاناة البلوى وخاف كيد الإخوة في تعجيل الأذى.
{وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو} فإن قيل فلم اقتصر من ذكر ما بُلي به على شكر إخراجه من السجن دون الجب وكانت حاله في الجب أخطر؟
قيل عنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه كان في السجن مع الخوف من المعرة ما لم يكن في الجب فكان ما في نفسه من بلواه أعظم فلذلك خصه بالذكر والشكر.
الثاني: أنه قال ذلك شكرًا لله عز وجل على نقله من البلوى إلى النعماء، وهو إنما انتقل إلى الملك من السجن لا من الجب، فصار أخص بالذكر والشكر إذ صار بخروجه من السجن ملكًا، وبخروجه من الجب عبدًا.
الثالث: أنه لما عفا عن إخوته بقوله: {لا تثريب عليكم اليوم} أعرض عن ذكر الجب لما فيه من التعريض بالتوبيخ.
وتأول بعض أصحاب الخواطر قوله: {وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن} أي من سجن السخط إلى فضاء الرضا.
وفي قوله: {وجاء بكم من البدو} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم كانوا في بادية بأرض كنعان أهل مواشٍ وخيام، وهذا قول قتادة.
الثاني: أنه كان قد نزل بدا وبنى تحت جبلها مسجدًا ومنها قصد، حكاه الضحاك عن ابن عباس. قال جميل:
وأنتِ التي حَبَبْتِ شغبًا إلى بَدَا ** إليّ وأوطاني بلادٌ سِواهما

يقال بدا يبدو إذا نزل بدا فلذلك قال: وجاء بكم من البدو وإن كانوا سكان المدن.
الثالث: لأنهم جاءُوا في البادية وكانوا سكان مدن، ويكون بمعنى في.
واختلف من قال بهذا في البلد الذي كانوا يسكنونه على ثلاثة أقاويل.
أحدها: أنهم كانوا من أهل فلسطين، قاله علي بن أبي طلحة.
الثاني: من ناحية حران من أرض الجزيرة، ولعله قول الحسن.
الثالث: من الأولاج من ناحية الشعب، حكاه ابن إسحاق.
{من بَعْدِ أن نَزَغَ الشيطانُ بيني وبين إخوتي} وفي نزغه وجهان:
أحدهما: أنه إيقاع الحسد، قاله ابن عباس.
الثاني: معناه حرّش وأفسد، قاله ابن قتيبة.
{إن ربي لطيف لما يشاء} قال قتادة: لطيف بيوسف بإخراجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع عن يوسف نزغ الشيطان. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}. قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَانَ هَذَا سُجُودَ تَحِيَّةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ، وَهَكَذَا كَانَ سَلَامُهُمْ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ، وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ فِي شَرْعِنَا ذَلِكَ، وَجَعَلَ الْكَلَامَ بَدَلًا عَنْ الِانْحِنَاءِ وَالْقِيَامِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ كَفَّرَتْ أَعْضَاؤُهُ اللِّسَانَ، تَقُولُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّك إنْ اسْتَقَمْت اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا». فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُ فِي الْإِشَارَةِ بِالْإِصْبَعِ؟ قُلْنَا: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللِّسَانَ يَكْفِي فِي السَّلَامِ، وَأَمَّا حَرَكَةُ الْبَدَنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَمْ يُشْرَعْ فِي السَّلَامِ، لَا تَحْرِيكُ يَدٍ وَلَا قَدَمٍ وَلَا قِيَامُ بَدَنٍ.
الثَّانِي: أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فَرْضٌ، وَابْتِدَاؤُهُ سُنَّةٌ فِي مَشْهُورِ الْأَقْوَالِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ الْقِيَامُ لِلرَّجُلِ الْكَبِيرِ بُدَاءَةً إذَا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ، كَمَا: قَالَ النَّبِيُّ لِجُلَسَائِهِ حِينَ جَاءَ سَعْدٌ: «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ»؛ فَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ عَوْنُهُ عَلَى ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ».
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِشَارَةُ بِالْإِصْبَعِ إذَا بَعُدَ عَنْك لِتُعَيِّنَ لَهُ أَوْ بِهِ وَقْتَ السَّلَامِ، فَإِنْ كَانَ دَانِيًا فَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ، فَقَدْ: صَافَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرًا، حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا». خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ كَرِهَ مَالِكٌ الْمُصَافَحَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا أَمْرًا عَامًّا فِي الدِّينِ، وَلَا شَائِعًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا مَنْقُولًا نَقْلَ السَّلَامِ؛ وَلَوْ كَانَ مِنْهُ لَاسْتَوَى مَعَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {فلما دخلوا} الآية هاهنا محذوفات يدل عليها الظاهر، وهي: فرحل يعقوب بأهله أجمعين وساروا حتى بلغوا يوسف، فلما دخلوا عليه.
و{آوى} معناه: ضم وأظهر الحماية بهما، وفي الحديث: «أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله» وقيل: أراد بالأبوين: أباه وأمه- قاله ابن إسحاق والحسن- وقال بعضهم: أباه وجدته- أم أمه- حكاه الزهراوي- وقيل: أباه وخالته، لأن أمه قد كانت ماتت- قاله السدي-.
قال القاضي أبو محمد: والأول أظهر- بحسب اللفظ- إلا لو ثبت بسند أن أمه قد كانت ماتت.
وفي مصحف ابن مسعود: {آوى إليه أبويه وإخوته}. وقوله: {ادخلوا مصر} معناه: تمكنوا واسكنوا واستقروا، لأنهم قد كانوا دخلوا عليه، وقيل: بل قال لهم ذلك في الطريق حين تلقاهم- قاله السدي وهذا الاستثناء هو الذي ندب القرآن إليه، أن يقوله الإنسان في جميع ما ينفذه بقوله في المستقبل، وقال ابن جريج: هذا مؤخر في اللفظ وهو متصل في المعنى بقوله: {سوف أستغفر لكم}. قال القاضي أبو محمد: وفي هذا التأويل ضعف.
و{العرش}: سرير الملك، وكل ما عرش فهو عريش وعرش، وخصصت اللغة العرش لسرير الملك، و: {خرجوا} معناه: تصوبوا إلى الأرض، واختلف في هذا السجود، فقيل: كان كالمعهود عندنا من وضع الوجه بالأرض، وقيل: بل دون ذلك كالركوع البالغ ونحوه مما كان سيرة تحياتهم للملوك في ذلك الزمان، وأجمع المفسرون أن ذلك السجود- على أي هيئة كان- فإنما كان تحية لا عبادة. قال قتادة: هذه كانت تحية الملوك عندهم. وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة. وقال الحسن: الضمير في: {له} لله عز وجل.
قال القاضي أبو محمد: ورد على هذا القول. وحكى الطبري: أن يعقوب لما بلغ مصر في جملته كلم يوسف فرعون في تلقيه فخرج إليه وخرج الملوك معه فلما دنا يوسف من يعقوب وكان يعقوب يمشي متوكئًا على يهوذا- قال: فنظر يعقوب إلى الخيل والناس فقال: يا يهوذا، هذا فرعون مصر، قال: لا هو ابنك، قال: فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف يبدأ بالسلام، فمنعه يعقوب من ذلك وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل، فقال: السلام عليك يا مذهب الأحزان.
قال القاضي أبو محمد: ونحو هذا من القصص، وفي هذا الوقت قال يوسف ليعقوب: إن فرعون قد أحسن إلينا فادخل عليه شاكرًا، فدخل عليه، فقال فرعون: يا شيخ ما مصيرك إلى ما أرى؟ قال: تتابع البلاء عليّ. قال: فما زالت قدمه حتى نزل الوحي: يا يعقوب، أتشكوني إلى من لا يضرك ولا ينفعك؟ قال: يا رب ذنب فاغفره. وقال أبو عمرو الشيباني: تقدم يوسف يعقوب في المشي في بعض تلك المواطن فهبط جبريل فقال له: أتتقدم أباك؟ إن عقوبتك لذلك ألا يخرج من نسلك نبي.
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}
المعنى: قال يوسف ليعقوب: هذا السجود الذي كان منكم، هو ما آلت إليه رؤياي قديمًا في الأحد عشر كوكبًا وفي الشمس والقمر.
وقوله: {قد جعلها ربي حقًا} ابتداء تعديد نعم الله تعالى عليه، وقوله: {وقد أحسن بي}، أي أوقع وناط إحسانه بي. فهذا منحى في وصول الإحسان بالباء، وقد يقال: أحسن إليَّ، وأحسن فيّ، ومنه قول عبد الله بن أبي ابن سلول: يا محمد أحسن في مواليّ؛ وهذه المناحي مختلفة المعنى، وأليقها بيوسف قوله: {بي} لأنه إحسان درج فيه دون أن يقصد هو الغاية التي صار إليها.
وذكر يوسف عليه السلام إخراجه من السجن، وترك إخراجه من الجب لوجهين.
أحدهما: أن في ذكر إخراجه من الجب تجديد فعل إخوته وخزيهم بذلك وتقليع نفوسهم وتحريك تلك الغوائل وتخبيث النفوس.
والوجه الآخر: أنه خرج من الجب إلى الرق، ومن السجن إلى الملك فالنعمة هنا أوضح.
وقوله: {وجاء بكم من البدو} يعم جمع الشمل والتنقل من الشقاوة إلى النعمة بسكنى الحاضرة، وكان منزل يعقوب عليه السلام بأطراف الشام في بادية فلسطين وكان رب إبل وغنم وبادية.
و{نزغ} معناه: فعل فعلًا أفسد به، ومنه قول النبي عليه السلام: «لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده». وإنما ذكر يوسف هذا القدر من أمر إخوته ليبين حسن موقع النعم، لأن النعمة إذا جاءت إثر شدة وبلاء فهي أحسن موقعًا.
وقوله: {لما يشاء} أي من الأمور أن يفعله، واختلف الناس في كم كان بين رؤيا يوسف وبين ظهورها: فقالت فرقة أربعون سنة- هذا قول سلمان الفارسي وعبد الله بن شداد، وقال عبد الله بن شداد: ذلك آخر ما تبطئ الرؤيا- وقالت فرقة- منهم الحسن وجسر بن فرقد وفضيل بن عياض- ثمانون سنة. وقال ابن إسحاق: ثمانية عشر، وقيل: اثنان وعشرون قاله النقاش- وقيل: ثلاثون، وقيل: خمس وثلاثون- قاله قتادة- وقال السدي وابن جبير: ستة وثلاثون سنة. وقيل: إن يوسف عليه السلام عمر مائة وعشرين سنة. وقيل: إن يعقوب بقي عند يوسف نيفًا على عشرين سنة ثم توفي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: ولا وجه في ترك تعريف يوسف أباه بحاله منذ خرج من السجن إلى العز إلا الوحي من الله تعالى لما أراد أن يمتحن به يعقوب وبنيه، وأراد من صورة جمعهم- لا إله إلا هو- وقال النقاش: كان ذلك الوحي في الجب، وهو قوله تعالى: {وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون} [يوسف: 15] وهذا محتمل.
ومما روي في أخبار يعقوب عليه السلام: قال الحسن: إنه لما ورده البشير لم يجد عنده شيئًا يثيبه به فقال له: والله ما أصبت عندنا شيئًا، وما خبرنا منذ سبه ليال، ولكن هون الله عليك سكرات الموت.
ومن أخباره: أنه لما اشتد بلاؤه وقال: يا رب أعميت بصري وغيبت عني يوسف، أفما ترحمني؟ فأوحى الله إليه: سوف أرحمك وأرد عليك ولدك وبصرك، وما عاقبتك بذلك إلا أنك طبخت في منزلك حملًا فشمه جار لك ولم تساهمه بشيء، فكان يعقوب بعد يدعوه إلى غدائه وعشائه. وحكى الطبري: أنه لما اجتمع شمله كلفه بنوه أن يدعو الله لهم حتى يأتي الوحي بأن الله قد غفر لهم. قال: فكان يعقوب يصلي ويوسف وراءه وهم وراء يوسف، ويدعو لهم فلبث كذلك عشرين سنة ثم جاءه الوحي: إني قد غفرت لهم وأعطيتهم مواثيق النبوة بعدك. ومن أخباره: أنه لما حضرته الوفاة أوصى إلى يوسف أن يدفنه بالشام، فلما مات نفخ فيه المر وحمله إلى الشام، ثم مات يوسف فدفن بمصر، فلما خرج موسى- بعد ذلك- من أرض مصر احتمل عظام يوسف حتى دفنها بالشام مع آبائه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ} أي قَصْرًا كان له هناك.
{آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} قيل: إن يوسف بعث مع البشير مائتي راحلة وجهازًا، وسأل يعقوب أن يأتيه بأهله وولده جميعًا؛ فلما دخلوا عليه آوى إليه أبويه، أي ضمّ؛ ويعني بأبويه أباه وخالته، وكانت أمّه قد ماتت في ولادة أخيه بنيامين.
وقيل: أحيا الله (له) أمّه تحقيقًا للرؤيا حتى سجدت له، قاله الحسن؛ وقد تقدّم في البقرة أن الله تعالى أحيا لنبيه عليه السلام أباه وأمه فآمنا به.
قوله تعالى: {ادخلوا مِصْرَ إِن شَاءَ الله آمِنِينَ} قال ابن جريج: أي سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله؛ قال: وهذا من تقديم القرآن وتأخيره؛ قال النحاس: يذهب ابن جُرَيج إلى أنهم قد دخلوا مصر فكيف يقول: {ادخلوا مِصْرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ}. وقيل: إنما قال: {إنْ شَاءَ اللَّهُ} تَبَرُّكًا وجَزْمًا. {آمنين} من القَحْط، أو من فرعون؛ وكانوا لا يدخلونها إلا بجوازه. قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش} قال قَتَادة: يريد السَّرير، وقد تقدّمت محامله؛ وقد يُعبر بالعرش عن المُلْك والمَلِك نفسه؛ ومنه قول النابغة الذِّبْيَانيّ:
عُروشٌ تَفانَوْا بعد عِزٍّ وأَمْنةٍ

وقد تقدّم.
قوله تعالى: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا} الهاء في: {خَرُّوا لَهُ} قيل: إنها تعود على الله تعالى؛ المعنى: وخرّوا شكرًا لله سجدًا؛ ويوسف كالقِبْلة لتحقيق رؤياه، وروي عن الحسن؛ قال النَّقاش: وهذا خطأ؛ والهاء راجعة إلى يوسف لقوله تعالى في أوّل السورة: {رَأَيْتُهُمْ ليِ سَاجِدِينَ}.
وكان تحيتهم أن يسجد الوضيع للشريف، والصغير للكبير؛ سجد يعقوب وخالته وإخوته ليوسف عليه السلام، فاقشعرّ جلده وقال: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} وكان بين رؤيا يوسف وبين تأويلها اثنتان وعشرون سنة.
وقال سلمان الفارسيّ وعبد الله بن شَدّاد: أربعون سنة؛ قال عبد الله بن شَدّاد: وذلك آخر ما تبطئ الرؤيا.
وقال قَتَادة: خمس وثلاثون سنة.
وقال السدّي وسعيد بن جُبير وعِكرمة: ست وثلاثون سنة.
وقال الحسن وجِسْر بن فَرْقَد وفُضَيل بن عِيَاض: ثمانون سنة.
وقال وهب بن مُنَبِّه: أُلقي يوسف في الجُبِّ وهو ابن سبع عشرة سنة، وغاب عن أبيه ثمانين سنة، وعاش بعد أن التقى بأبيه ثلاثًا وعشرين سنة، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة.
وفي التوراة مائة وست وعشرون سنة.